الحقيقة المجهولة في "قضيّة" نادر صعب

" مجلة جنى " لا يشغل الناس في هذه الأيّام التعثّر المستمرّ في الاتفاق على قانون انتخاب بقدر ما يغشلهم ما بات يُعرف بـ "قضيّة" الدكتور نادر صعب.

رحم الله فرح قصّاب، من المؤكّد أن موتها هو الأهم في هذه "القضيّة". ما من خسارة، على أيّ جهة، توازي خسارة عائلتها وطفليها لها. إلا أنّنا في هذه السطور نتناول جانباً آخر من القضيّة.

لم يكن الدكتور نادر صعب يعرف، بالتأكيد، أنّ الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي أحسن استخدامها للترويج لنفسه ستُستخدم ضدّه في يومٍ من الأيّام. نجح صعب، كما لم يفعل أحدٌ غيره في لبنان، في التسويق لنفسه حتى بات، بالتأكيد، أشهر طبيب لبناني على الإطلاق وبات اسمه ملازماً لطبّ التجميل.

هناك من يقول، ولا نتبنّى هذا الرأي، إنّ حالة الوفاة التي حصلت أمر وارد طبيّاً في مثل هذه العمليّات التجميليّة. لسنا نقول ذلك لنبرّر ما حصل، ولا يجوز أن يبرّر أحدٌ ما حصل، حتى نادر صعب نفسه. ما يجب أن يحصل هو انتظار التقرير النهائي للطبيب الشرعي ورأي القضاء. يجب ألا يستعجل أحدٌ لإعلان براءة، و، خصوصاً، يجب ألا يستعجل أحدٌ لإصدار الأحكام. فما رأيناه في الأيّام الأخيرة عبر الإعلام هو "حفلة جنون" نخشى أن تكون منظّمة. تحوّلت فرح الى سلعة يتاجر بها البعض لحصد نسبة مشاهدة وقراءة أعلى، ومن أجل مزيدٍ من "الأكشن" ابتُكرت قصصٌ خياليّة عن القضيّة، كمثل عدد الوخزات في جسدها وعدد العمليّات التي كانت ستجريها والثمن المبالغ به لهذه العمليّات...

لم ينتهِ "الفيلم" الذي تابعناه في الأيّام الأخيرة عند هذا الحدّ. كان لا بدّ من "ماكينة" تصنع الشائعات. وهكذا تحوّل نادر صعب الى طبيب مشكوك بشهادته، والمستشفى الذي يملكه بلا ترخيص وهو سبق أن "قتل" نساءً أثناء عمليّات سابقة، وبعضهنّ تشوّهن... وهذا الكلام كلّه بلا دليل، ولا شاهد ولا صورة أو وثيقة ما. الناس تتسلّى، ومصير نادر صعب المهني في خطر، وفرح في عالمٍ آخر.

لن تعود فرح قصاب الى الحياة، للأسف. لن يعيدها تقريرٌ تلفزيونيّ يفتقد للمهنيّة، ونكاد نقول، لو كنّا ممّن يستعجل الاتهام، أنّه مدفوع الأجر. ولن يعيدها خبرٌ مفبرك على موقع الكتروني. ولن يعيدها، حتماً، كلام إعلاميّة غبيّة عن عمليّة قتل حصلت. هناك من يتسلّى، وهناك من ينتقم، وهناك من يبتزّ. جميعهم التقوا في هذه "القضيّة". جميعهم تحوّلوا الى قضاةٍ وأصدروا الأحكام وبعضهم شغّل مخيّلته ليروي تفاصيل هروب نادر صعب الى قبرص، وهو في لبنان ولم يغادره، وبعضهم أضاع وقته في "تركيب" الصور وإطلاق الطرائف عمّا حصل.

أين فرح قصّاب من هذا كلّه؟ ممّا لا شكّ أنّ حرقة قلوب أفراد عائلتها تختصر المأساة الأليمة. ولكن، ألا يجدر بنا جميعاً، بالمدافعين وهم قلّة، وبالمتّهمين وهم كثرة، أن ننتظر حكم القضاء ولا نستعجل إطلاق الاتهامات ولا نتبنّى الأخبار المفبركة التي، لو شاء نادر صعب تطبيق القانون، لادّعى على المئات ممّن شهّروا به مستبقين صدور القرار القضائي ورأي المرجعيّات المختصّة؟ فجرم هؤلاء مثبت بالأدلّة، ولا دليل حتى الآن على خطأ ارتكبه، لا بل أنّ التقرير الطبّي الأوّلي برّأه ونقابة الأطبّاء أنصفته.

فليُسحب هذا الموضوع من "التسلية الإعلاميّة" والاستغلال الإعلامي لأيّام ننتظر خلالها نتائج تقرير الطبيب الشرعي وما سيحكم به القضاء، وحينها تظهر الحقيقة ويُحاسب المخطئ، إن وجد، بقدر حجم الخطأ. ولنكتفي، حتى ذلك الحين، بالصلاة لراحة نفس فرح. وراحة النفس لا تكون أبداً على حساب عذاب آخرين...


المصدر : mtv